الكاتب أيمن نزال يكتب لـ ” نشرة المنبر” .. ويل للمطففين – وواقع المكيال الغربي

المحرق – الأحد 29 مايو 2022

المتدبر في تفسير سورة المطففين في قوله تعالى: “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ “* يجد ذلك الوعيد الرباني بالويل والثبور لأولئك القوم الذين يكيلون على الناس بمكيالين: فإذا باعوهم أوفوا الوزن وأخذوا حقهم غير منقوص، وإذا اشتروا منهم بخسوا بضاعتهم وأنقصوا ثمنها وتفننوا في استعمال أساليب الغش والخداع والباطل.

وقد استوقفتني هذه الآيات لأجدها تعكس واقعنا المعاصر الأليم وما فيه من غبن وتطفيف في الموازين الدولية على الأمة العربية والإسلامية. فقد كشفت الأزمة الأوكرانية ذلك الخلل والعور البين في المكيال الغربي تجاهنا.

فمنذ الأيام الأولى لأزمة الاجتياح الروسي لأوكرانيا تباكى قادة الغرب والدول الأوروبية على الضحايا الأوكرانيين، فمنهم من وصفهم بأصحاب العيون الزرقاء، ومنهم من وصفهم بالبيض الشقر، وبأنهم أناس أذكياء يستخدمون أدوات التواصل الاجتماعي، بل إنهم ليسوا من العراق أو سوريا أو من ذاك الجنس الذي قد يخفي ما يخفيه من خلفيات إرهابية.

وتفاجئنا بالأندية والأفرقة الرياضية الأوروبية بتسجيلها لمواقف تضامنية كتأجيل بدأ المباريات عدة دقائق احتجاجا على الغزو الروسي، ومنهم من كتب على القمصان عبارات تضامنية مع أوكرانيا، والغريب أن الفيفا لم تعترض على هذه الأفعال، علما بأنها أوقفت محمد أبوتريكة عندما رفع فنيلته ليظهر تحتها عبارات التضامن مع غزة المحاصرة، واعتبرت ذلك خلطا بين السياسة والرياضة. بل قامت الفيفا بحرمان روسيا من المشاركة في كأس العالم المزمع إقامته في قطر 2022م، وعلى النقيض التام أشاد الجميع بالإعداد الروسي المتقن لكأس العالم 2018م في ضيافتها، والتي كانت وقتها تقصف المدنيين العزل والأطفال والنساء في سوريا لسنوات.

والأدهى والأمر هو الصمت الدولي والمجتمع الغربي عن 74 سنة من الاحتلال الصهيوني الغاشم لأرض فلسطين دون أي تحرك فعلى لتطبيق قرارات الأمم المتحدة (وأبرزها القرار 242) وردع أو حتى أدانة المحتل، ولكن تهب على الفور أمريكا والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان ونيوزيلاندا فتفرض العقوبات المشددة على روسيا منذ بداية الأزمة.

أليست السامية من أكبر الكبائر في المكيال الغربي، بينما سب الإسلام ورموزه وأهله هو من الحريات الشخصية المكفولة لمواطنيه.

وأين ذهبت من الذاكرة الاجتياحات الغربية للدول الإسلامية والعربية في التاريخ المعاصر وتقسيم العالم العربي والإسلامي بكل صفاقة وعنجهية، وتدمير الدول العربية بحجج الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وكل ذلك كذب وافتراء ومؤامرات أحكمت حلقاتها، وعلى النقيض فهم أنفسهم يرفضون الاجتياح لدولة أوروبية من أخرى.

حتى الفيسبوك سمح بإنزال مقاطع تتعلق بالمقاومة الأوكرانية، ولكنه يمنع أي كلمة تتعلق بأعداء أمتنا. كما أن المجتمع الغربي تغني بذلك الجندي الذي فجر نفسه في الجسر ليمنع تقدم الجيش الروسي واعتبره بطلا قوميا ورمزا خالدا، وهو نفس المجتمع الغربي الذي يصف من يفجر نفسه في المحتل بأنه إرهابي.

وللأسف لم تشفع العيون الزرقاء والشعر الأشقر والبشرة البيضاء للشعب البوسني أمام آلة التدمير والإرهاب الصربية ضدهم، لأنهم مسلمون.

من سرد ما ذكر يتبين لنا أكذوبة ما يدندن به الغرب بالمساواة، والإنسانية، وحقوق الإنسان، وأن كل هذا تنسفه الموازين الجائرة من قبلهم في حق أي شعب أو عرق أو دين ليس من طرفهم، بل أصبحوا من الوضوح بأنهم يجاهرون بذلك، وهم من مارسوا ذلك بطرقهم وأدواتهم ومنها حق الفيتو الذي لعبوا فيه بحقوق الشعوب المقهورة.

في الواقع لا ألوم الغرب على مكياله المائل وميزانه المجحف، فهذا منطق القوي وحرصه على مصالحه وإن احترقت الدنيا، ولكن أألم على من يأملون بأنهم سينتصرون لقضايانا وآلامنا ويكونون عونا لنا ضد أعدائنا الكثر. فهم من ذكرهم الله في نهاية سورة المطففين بقوله: “إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ* “.

وختاما أختتم مقالتي بما اختتم به الله سبحانه سورة المطففين: “فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ”، علها تكون سلوى لنا، ولمظلومين هجروا، أو آباء أخذ منهم أبناؤهم عنوة، أو مغدورين تحت قصف بربري غاشم.

شاهد أيضاً

الكاتب الأستاذ محمود حسن جناحي يكتب لنشرة المنبر: حرب غزة بين خصوصية الحدث وعمومية القضية

المحرق – الأثنين 26 فبراير 2024 يمثل “طوفان الأقصى” حدثا غير مسبوق في تاريخ القضية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *