الكاتب الأستاذ محمود حسن جناحي يكتب لنشرة المنبر: حرب غزة بين خصوصية الحدث وعمومية القضية

المحرق – الأثنين 26 فبراير 2024



يمثل “طوفان الأقصى” حدثا غير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية، أو ما يعرف تاريخيا بـ “أزمة الشرق الأوسط”. لا نريد أن نقف هنا أمام التفصيلات العسكرية للحدث، فهذه التفصيلات نشاهدها يوميا وعلى الهواء مباشرة على القنوات الفضائية، ولكن نريد أن نقف أمام دلالات الحدث، محاولين قدر الإمكان ألاّ نفصل بين الحدث الآني وعموم القضية.
بعد ملحمة 7 أكتوبر 2023م مباشرة، شاهدنا تظاهرة سياسية-عسكرية من قِبَل الدول الغربية بصورة هستيرية لا سابقة لها منذ قيام الكيان المسخ عام 1948م. لقد غطى الحدث “الغزاوي” على كل القضايا الساخنة التي كانت تشغل بال أمريكا وأوروبا، بما في ذلك قضايا أوكرانيا وتايوان وكوريا الشمالية.
رأينا قادة الغرب (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) يتسابقون للوصول إلى تل أبيب، وقامت أمريكا بإرسال حاملات طائرات وسفن حربية إضافية إلى شرق المتوسط، وسمعنا وزير الخارجية الأمريكي بلينكن يذكّر الجميع بـ “يهوديته” في زيارته الأولى لتل أبيب، هذه الزيارات التي تتابعت لتصل إل سبع زيارات إلى هذه اللحظة.
معركة الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية لم تبدأ يوم 7 أكتوبر عام 2023م، بل بدأت عام 1917م، عندما احتلت بريطانيا فلسطين، وأصدرت وعد “بلفور” المشئوم. حينذاك، بدأت المؤامرة الصهيونية بفرعيها (الصهيونية اليهودية والصهيونية البروتستانتية) تُطبِق على الشعب الفلسطيني. ومنذ تلك اللحظة بدأت مقاومة الشعب الفلسطيني للمؤامرة، واندلعت الثورات المتتابعة: ثورة البراق، ثورة القسّام، الانتفاضات المتكررة، وأخيرا لا آخرا: طوفان الأقصى.
إن الحرب الحالية على غزة ليست ضد غزة فقط، ولا ضد حركة حماس حصرا. إن طبيعة هذه الحرب، وطول أمدها، والاصطفاف الغربي المبالغ فيه مع الكيان الصهيوني، كل هذه الحقائق لتدل على أن هناك هدفا بعيد يُراد تحقيقه استغلالا للأحداث الحالية في غزة. ما هو هذا الهدف يا ترى؟!
لا بد من الرجوع قليلا إلى الوراء، إلى التاريخ القريب..
بعد سقوط المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي أواخر ثمانينات القرن الميلادي المنصرم، وبالتالي انعدام وجود “المنافس”، بدأ الغرب (خصوصا أمريكا) بـ “إصدار” عناوين جديدة ورفع رايات فيها بعض الغموض، تخص منطقة الشرق الأوسط حصرا، إذ بدأنا نسمع عن “الخطر الأخضر” بعد زوال الخطر الأحمر الشيوعي، وتتابعت تصريحات المسئولين الغربيين عن “الشرق الأوسط الجديد”، وكثر الحديث عن “الحرب على الإرهاب”، الإرهاب الذي هم (الغرب) سبب رئيس في وجوده أصلا، وأخيرا مصطلح “صفقة القرن”، والهرولة نحو “التطبيع”.
إن هذه العناوين لم تكن عشوائية، بل هي خطوات عملية لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وترسيخ وجود (إسرائيل)، بل وقيادتها للمنطقة. هذا هو الشرق الأوسط الجديد: هيمنة إسرائيلية على المنطقة، ضمن تحالف ترعاه أمريكا، ويشارك فيه (المطبّعون)، يؤدي في النهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية، بمباركة من الغرب، وبمشاركة من بعض (الجيران)!
وكانت المفاجأة مع “طوفان الأقصى”.. لقد عادت الأمور إلى الصفْر! وتصدرت فلسطين وأحدث غزة العناوين على أعلى مستوى، وتخبط ساسة الغرب، لدرجة أن تخلوا عن (لباقتهم) الدبلوماسية المعهودة، وأظهروا أضغانهم، لدرجة أن تعالت الصيحات المستنكرة من داخل المجتمعات الغربية نفسها..
إنها فلسطين، إنها المقاومة، إنه القدس الشريف، إنها قضية “غير قابلة للتصفية”.
أصبح الشغل الشاغل للصهيونية وحلفائها اليوم: ماذا عن اليوم التالي؟ أي ماذا نفعل بعد هذه المصيبة، وكيف نعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل طوفان الأقصى، وكيف نتخلص من حماس وإلى الأبد؟! ولهذا طالت الحرب، حتى يصلوا إلى اتفاق يؤهلهم للعودة إلى المسار: مسار تصفية القضية الفلسطينية.
لقد أصبحت تربة غزة متخمة بدماء الشهداء، وأصبحت رمال غزة مشبّعة بالدموع. وكل قطرة دم من شهيد ستنبت مجاهدا، وكل دمعة ستنبت مقاوما.
“وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر من بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون”.

شاهد أيضاً

غرائب الأعراف الأكاديمية في تعليمنا الجامعي.. بقلم:أ د. هاشم المدني*

المحرق – الأثنين 26 فبراير 2024 إستشاري السلامة المرورية بالإسكوا (الأمم المتحدة) يرتبط الترتيب التنافسي العالمي للجامعات وسمعتها العلمية بمدى التزاموانضباط إدارتها العليا بأهداف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *