غرائب الأعراف الأكاديمية في تعليمنا الجامعي.. بقلم:أ د. هاشم المدني*

المحرق – الأثنين 26 فبراير 2024

إستشاري السلامة المرورية بالإسكوا (الأمم المتحدة)

يرتبط الترتيب التنافسي العالمي للجامعات وسمعتها العلمية بمدى التزاموانضباط إدارتها العليا بأهداف التعليم العالي، والبحث العلمي، ومستوى مخرجاتها فيها. وقد أكدت مثل ذلك دراسة في مجلة “علوم السلامة”، وهي دورية علمية مرموقة ومحكّمة تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وجدتالدراسة أن انضباط قيادة الجامعة ذو علاقة نوعية قوية بسمعة الجامعةوترتيبها العالمي. إن ترتيب الجامعات المرموقة – من مثل أكسفورد، وكمبريدج، وهارفرد، وستانفورد، التي تأتي على رأس هرم الترتيب العالمي لأقوى الجامعات في العالم وفق عدد من التصنيفات العالمية – دفع الجامعات الأخرى التي تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها ضمن ترتيب الجامعات المائة الأقوى في العالم إلى الاهتمام بالعوامل التي ترفع وتخفض من مستوى الجامعات. وذلك وفقا لما استنتجه الباحث (ناسوير جابون) ومجموعته العلمية في دراسة لهم في الدورية العلمية المشهورة والموسومة “بضمان جودة التعليم”. وتكمن أهم تلك العوامل -وفق ما استنتجه (جابون) ومجموعته -في إدراك الإدارات العليا للجامعات بأمور عدة، يأتي على رأسها وعيها بالفساد عامة -وفي التعليم والبحث العلمي خاصة -وقوة إرادة القيادات العليا بالجامعة بالانضباط، وحرية الصحافة.  ولعل ما يسترعي النظر في تلك الدراسة هو تساوي الأثر السلبي لضعف الكفاءات التي تدير الجامعات بالفساد المستشري في المجتمع وبتقييد الحريات الإعلامية في تدني المستوى العلمي لتلك الجامعات.ومن ثَمَّ جرها إلى منتهى معلول. علاوة على ذلك فقد وجد (سيثرمان)، و(سرينفاسن)، و(بون) أن فشل كثير من المؤسسات –لاسيما التعليمية منها –عائد إلى فقدان إداراتها العليا الالتزام والإرادة في التغيير. 

والسؤال المنطقي بعد تلك المقدمة، أين موضع جامعاتنا من كل ذلك، حيثالسواد الأعظم من رؤساء الأقسام ومديري المراكز فيها هم من الرتب الدنيا علميا وأكاديميا وإن اُعتذر لبعضهم بالخبرة العملية؟ أي أنهم لم يجتهدوا فيترقية أنفسهم، فأنّى لهم ترقية جامعة بأكملها، أو حتى كلية بعمومها، أو حتى دون ذلك، والمثل العربي يقول “فاقد الشيء لا يعطيه”!!. والأسباب المؤدية إلى عدم ارتقاء مثل أولئك كثيرة، منها ما هو مرتبط بالشخص ذاته، ومنها ما هو مرتبط بالمؤسسة التعليمية التي يعمل فيها، وليس هنا موضع نقاش ذلك. كما أن وضع الأشخاص المنفذين للأوامر دونما نقاش، ولو كانت الأوامر محل نقاش، لا يسعهم تطوير إداراتهم التعليمية بشكل فعّال.

تكاد الأعراف الأكاديمية العالمية تكون معروفة وجلية في إدارة الجامعات ونظمها، لاسيما المتعلقة بالتراتيبية الأكاديمية، والصلاحيات الممنوحة لكل رتبة، فالأستاذ أي “البرفسور” أعلى سلطة علمية في الجامعات –وتمنحها الجامعات لمستحقيها بعد جهد طويل- لا يقل عن ١٠ سنوات- يقضيها المتقدم لتلك الرتبة في التدريس الجامعي، وفي نشره عددا كبيرا من الأبحاث في دوريات علمية محكمة ومرموقة. يلي تلك الرتبة الأستاذ المشارك، ومستحقها مر بشروط علمية دقيقة، ثم الأستاذ المساعد –وتجاز هذه الرتبة لحاملي درجة الدكتوراة فور تخرجهم، وإن كانت أبحاثهم محدودة. ويلي كل أولئك المحاضرون، ثم المدرسون. والعرف العام في مثل ذلك الترتيب ألّا يرأسالأستاذ من هم دونه في الرتبة العلمية في إدارة العمليات العلمية، والبحثية،والتعليمية إلى حد ما. والاستثناء في مثل ذلك محدود كعدم توفر البديلالمماثل، أو عدم رغبة الأعلى رتبة في ترؤس مهمة ما في تلك المؤسسة.

ومن شأن مثل تلك الأعراف إعداد كفاءات راقية وواعية تسهم في تطوير البلد وارتقائه. فعلى سبيل المثال شغلت (كونداليزا رايز) – وزيرة الخارجية في الحكومة الأمريكية  في المدة من ٢٦ يناير ٢٠٠٥ إلى ٢٠ يناير ٢٠٠٩ -منصبمديرة جامعة ستانفورد لست سنوات في المدة من ١٩٩٣ إلى ١٩٩٩، وتحمل (رايز)رتبة الأستاذية. كما أنها عادت إلى جامعة ستانفورد أستاذة في العلوم السياسيةبعد أقل من شهرين من انقضاء مدتها وزيرة للخارجية. ولا تزال (رايز) -بعد أن تعدتالسبعين من عمرها- تعمل في ستانفورد التي تعد ثالثة أقوى جامعة عالميا، ولاتسبقها إلّا جامعة أكسفورد، وكمبريدج، وتساويها في الترتيب معهد كاليفورنيا للتقنية. والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو ما مدى التزام الجامعات عندنا بمثل تلك الأعراف، من أجل أن تخرّج لنا مثل تلك الكفاءات؟ وإن كانت(كونداليزا رايز) بمكرها قد أساءت إلى خلق كثير، ودول عدة من خلال نظرياتها المتعلقة بالفوضى الخلّاقة.

وتهوي الجامعات في قدح سحيق، وطعن شديد، وضعف في الأداء عند إخلالها بمثل تلك الأعراف الأكاديمية. وأخشى أن أقول إن عددا من تلك الأعراف الأكاديمية تكاد تكون شكلية في كثير من جامعاتنا العربية، بما فيذلك جامعاتنا الوطنية. ولعل من أهم تلك الأعراف المتجاهلة في جامعاتنا هي تلك المتعلقة بالتراتبية العلمية في التعيينات الأكاديمية، وما يتبعها من إبعاد الكفاءات العلمية لكثير من تلك التعينات. فعلى سبيل المثال نلحظ وجود أستاذين فحسب من بين سبعة رؤساء تولوا إدارة جامعتنا الوطنية، وقد عاصرتهم جميعا “ولا ينبئك مثل خبير”. ومن حسن حظ الجامعة أن تم اختيارأستاذ ليديرها عند نشأتها. وقد كان صاحب خبرة علمية كبيرة، وخدم في جامعات كثيرة، وفي دول عدة. وقد عاصرته في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران عند عمادته “لشؤن الأساتذة والموظفين” –مع ملاحظة تسمية العمادة “بالأساتذة والموظفين”، حتى لا يستعلي الموظفون على الأكاديميين، وقد كنت حينها طالبا. ويرجع له الفضل في وضع كثير من أنظمة جامعة البحرين عند بدئها. ثم اعتلى رئاسة الجامعة رؤساء منهم سابق إلى الخيرات، ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه. 

إن قرارات تعيين رؤساء الجامعة تصدر من الجهات العليا، وما أن يعين الرئيس حتى تهفو عينه إلى الوزارة. وما دون الرئيس من تعينات يكتنفها كثير من الغموض، وتكاد تكون مجافية للشفافية. ولعل من أهم السمات التي ترفع وتخفض من حظ المرشحين لمثل تلك التعينات الجامعية تكمن في توجهات المرشح السياسية، والفكرية، ومدى سهولة إذعانه لمن يعلوه في الإدارة، ومدى قدرته في تضخيم الإيجابيات للمسئول والتغافل عن السلبيات، دونما اعتبار عادل لكفاءة المرشح. والكلام على وجه العموم لا الشمول الكلي. ولعل من يقوم بترشيح مثل أولئك يتعذر بقوة وطنية مرشحه، وكأن أهل الكفاءات أقل وطنيةمن الآخرين، أو غير وطنيين. أو لعلهم لم يجدوا متسعا من الوقت للجلوس الطويل مع المسئولين لتسويق أنفسهم، أو تحين الفرص للظهور أمامه. فكيف يرى من أجهد نفسه سنين كثيرة لنيل شهاداته، ومر بجميع المراحل الأكاديمية، في مثل تلك المؤسسة؟! 

ونحن لا نعرف كيف يكون للتطوير مكان إذا ما أهملنا أركان التغيير، وأدوات التنافس المتمثلة في معرفة السلبيات وعلاجها، ودراسة الأخطار وتلافيها،والبحث عن الفرص واقتناصها، ومعرفة نقاط القوة والتركيز عليها لتنميتها. ولا يخفى على كل ذي بصيرة خطورة استبعاد الكفاءات من المناصب الأكاديمية والعلمية المهمة على مستقبل التعليم العالي، وخطورة إسناد المهام العليا إلى من هم دون المنصب أحقية، وإن كان بعض أولئك المستحقين يهرب من تلك المناصب؛ لأنها تعرقل إنتاجهم العلمي. ولا يخفى على أحد هجرة كثير من مثل تلك الطاقات العلمية إلى دول الجوار بل والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، أو لجؤهم إلى التقاعد المبكر.

إن نسبة البحرينيين إلى الأجانب في مختلف الرتب الأكاديمية ليست في صالح المواطن في غالب الأقسام العلمية، فهي دون النصف بشكل كبير. وإن كانت هذه النسبة في صالح البحرنيين فيما يتعلق بالوظائف الإدارية. ولا يعني ذلكأي انتقاص، أو عنصرية، أو حتى تقليل من شأن الوافدين عند ذكري مثل تلكالمقارنات، فقد قدموا إلينا للمساهمة في تطوير التعليم العالي، ونحن بحاجة إليهم، ولكنه إيضاح لواقع مرير، وهي في ازدياد؛ لأن عدد الطلبة في ازدياد ومعدل المبتعثين لدراسة الدكتوراه في انتقاص. والحق أن هناك تشجيع للأكاديميين بالتقاعد المبكر، واستبدالهم بالأجانب، دون وجود ميزانية ونظام واضحين للإحلال. علاوة على كل ذلك، لا تكاد ترى في الجامعات المرموقة أساتذة يحالون للتقاعد وهم نشطون علميا.

أمر آخر ينافي المنطق والحكمة أن تجد مواطنا ذا كفاءة علمية وإدارية عاليتينيهمّش ويقدّم عليه آخر أجنبي بنفس الكفاءة أو دونه. وتأكيدا على ما فات، لا أقولها عنصرية، ولكن إبن البلد أحق بتولي تلك المهام في بلده، وهو يعرف المجتمع وتقاليده أفضل من غيره. فضلا على أن البحريني عليه أن يرد شيئا من جميل بلده عليه، والمثل الشعبي يقول “حلاة الثوب رقعة منه وفيه”. ولا شك أن مثل تلك الأمور تحبط المجدّين، والأكفاء، والمتميزين الذين يرغب في توظيفهم جامعات كثيرة، ومن ثمَّ قد ينتقلون إلى جامعات تحترم مؤهلاتهم، وشخصياتهم، تاركين خلفهم ذكريات مؤلمة؛ بسبب سوء الإدارة. ولعل من يقول إن ذلك ينطوي على كثير من المبالغات، إلّا أن الشواهد على ذلك كثيرة.وإنه لمن الواجب على جهة ما تقصّي وضع كل أولئك، ولكل قصته.

ويغلب على المجالس العليا لكثير من الجامعات المرموقة وقياداتها الإدارية أن أعضاءها من الرتب العلمية العليا. ونظرة إلى المناصب التنفيذية في الجامعات عندنا عامة والمتمثلة في رؤساء الأقسام والعمداء فإن السمة الغالبة عليهم أنهم من الرتب الأكاديمية الدنيا في كونهم دون درجة الأستاذية(برفسور). وذلك خلافا للجامعات المرموقة التي يغلب على أعضائها أنهم منالرتب الأكاديمية العليا. ولعل أقرب مثال لنا هي الجامعات السعودية، حيث يغلب على وكلاء الجامعات فيها وعمدائها أنهم من الأساتذة. فعلى سبيل المثاليغلب على أعضاء مجلس جامعة الملك عبد العزيز أنهم أساتذة، وأن ثلاثة من أصل أربعة وكلاء مديري الجامعة هم من الأساتذة، علاوة على كون رئيسهاأستاذا. وغالب أعضاء مجلس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من الأساتذة، وتصّنف الجامعة ضمن أقوى ثلاثمائة جامعة على مستوى العالم.

ولا شك أن التغافل عن مثل تلك الأعراف علاوة على أنها تخلق إحباطا نفسيالدى الأكاديميين، ويحد من عطائهم العلمي والتعليمي، فإنها معيبة أكاديمياوتحط من قدر الجامعة، حيث تُسيّر الأمور فيها وفق أعراف غريبة على التعليم الجامعي. ولابد من العمل الجاد على تصحيح مثل تلك العيوب حتى لا يُقدح في نظامنا العلمي الجامعي برمته، أو يُشك في مصداقية نظامنا التعليمي العالي بكامله. والله من وراء من القصد.

وهناك جوانب أخرى بحاجة إلى إحتياجات خاصة من أجل التجبير، فعلى سبيل المثال فاق عدد طلبة جامعة البحرين هذا العام ٣٢ ألف طالب وفق ما صرح به رئيس الجامعة الدكتور فؤاد الأنصاري لجريدة البلاد (٧ سبتمبر ٢٠٢٣). ورغم كون هذا العدد كبيرا على بلد صغير نسبيا مثل البحرين، فإنه يمثل إرثا مهما لمستقبل البحرين إن أحسن استثماره. ولا تكمن الإشكالية في عدد طلبة الجامعة، ولكن في عدم مرافقة مثل تلك الزيادات أية إضافات في أعداد الطواقم التعليمية والفنية، وفي المعامل، وفي الصفوف، وفي القاعات، وفي تحديث الأجهزة العلمية وديمومة معايرتها –أي جعل الأجهزة دقيقة القياس -وفي غيرها من البرامج والأدوات المساندة للعملية الأكاديمية والتعليمية. ومن ثمّ انعكاسها سلبا على الطلبة بدنيا ونفسيا وعلميا، وعلى الأكاديميين إرهاقا وكفاءة وبعدا عن البحث العلمي، ومن ثَمّ تخلّفهم عن التوجهات العلمية الحديثة.

والحق أن مثل تلك الأرقام لا تعد مقبولة وفق معايير جودة التعليم العالي. فعدد الطلبة بالنسبة للأكاديميين في الجامعات العريقة لا يكاد يتجاوز ١٢، أي مدرس لكل اثني عشر طالبا في المتوسط. وإذا ما أردنا أن نخفض مثل تلك المعدلات قليلا كي لا يقفز لنا فيلسوف فيقول تلك الجامعات تختلف عن جامعاتنا، نفترض أننا نقبل بمدرس مقابل ١٨ طالب لجامعاتنا (أي ٥٠٪ أكثر من تلك النسبة)، فإذا كان عدد الطلبة في جامعة البحرين نحو ٤٠ ألف طالب -وهو العدد المتوقع للعام المقبل- فعدد مدرسيها يجب أن يكون قريبا من٢٢٢٠. والواقع بعيد عن ذلك العدد بكثير، فهم دون ثُلُث ذلك، حيث تشير إحصاءات عام ٢٠١٩ على شبكة الإنترنت أن الطاقم الأكاديمي يبلغ ٧٦١، وهم دون ذلك الآن بشكل واضح، فقد شجعت الحكومة على التقاعد المبكر فأقدم عدد ليس بالقليل من الكفاءات الأكاديمية البحرينية على التقاعد في السنوات الأربع الماضية دونما إحلال يكافئ عدد المتقاعدين أو الزيادة المستمرة في أعداد الطلبة. ومن باب العلم يشير تقرير النائب السابق لرئيس الجامعة –وهو تقرير دسم ومهم ويشمل حقائق مهمة، ومتوافرة على صفحتها في الإنترنت-إلى وجود ٨٣٥ أكاديمي في عام ٢٠١٥/٢٠١٦. ومع أن المنطق يقول يجب زيادة عدد الأكاديميين مع زيادة أعداد الطلبة، فإن الواقع يظهر أن عددالأكاديميين على تناسب عكسي مع أعداد الطلبة في الجامعة فبينما لم يكن يتجاوز عدد الطلبة مع بدايات العقد الثاني من هذا القرن ١٨٢٥٠ طالب، فإنطاقمها التعليمي بلغ ٩٨٩ أكاديميا، أما الآن فقد بلغ عدد المسجلين في الجامعة ٣٢ ألف طالب، وسيقترب من ٤٠ ألف في العام المقبل، إذا ما عرفنا أن الجامعة قبلت ١٠٢٠٠ طالب في هذا العام (وفق تصريح الرئيسة السابقة للجامعة د. جواهر المضحكي لجريدة الأيام بتاريخ ١٦ أغسطس ٢٠٢٣)، ولم يتجاوز عدد خريجوها في الأعوام السابقة عن ثلاثة آلاف طالب كل عام. فعلى سبيل المثال بلغ عدد خريجوا الجامعة عام ٢٠١٢ نحو ٢٣٨٢ –وفق ما جاء في صفحة الجامعة على الشبكة العنكبوتية -في حين بلغ خريجيها في عام ٢٠١٤/٢٠١٥  نحو ١٨٠٠ طالب.

وأمر آخر متعلق بنسب التخرج، فرغم كون غالبية برامج الجامعة لدرجة البكالوريوس هي 4 سنوات، لا يتخرج منها في مثل تلك المدة سوى نحو 8%، وفق ما جاء في دراسة قامت بها الجامعة في عام 2012. ومن أجل المقارنة نذكر أن معدل تخرج طلبة 8 جامعات في فرجينيا (الولايات المتحدة الأمريكية) في أربع سنوات بلغ 89%. وكلما زاد عدد الطلبة المقبولين في الجامعة، كلما زاد معه تأخر معدل تخرجهم وفق السنوات المعتمدة في برامجهم. ولعل السبب وراء ذلك جلي، حيث أن أعداد الأكاديميين وفنيي المعامل وكفاءاتهم لا تتواكب مع تلك الزيادات. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأسباب التفصيلية التي أدت إلى ذلك؟ أهي إدارية؟ أم هي عائدة إلى الطلبة أنفسهم؟

وبسبب ضعف ميزانية الجامعة بالمقارنة مع الجامعات العريقة وتلك التي في الجوار، وقلة عدد الأكاديميين يتم تكديس أعداد كبيرة من الطلبة في الصفوف، بل وفي الممرات أيضا، فتجد صفوفا يفوق أعداد الطلبة فيها على الأربعين، والخمسين، بل وحتى أكثر من ثمانين طالبا. ولا أظن من له علم بالمعايير التربوية والتعليمية يمكنه القول إن مثل تلك الصفوف تساهم في تطوير العملية التعليمية. ولعل مثل تلك الأعداد تكون مقبولة لعدد محدود من المواد العامة غير التخصصية، حيث غدى بعض مدرسوا المقررات العامة يدرسون في قاعات يفوق عدد الطلبة فيها على المئتين. والأمر لا يقف عند العملية التعليمية فحسب، حيث يشتكي طلبة عدد من الكليات من صعوبة الحصول على مواقف لسياراتهم في أيام معينة من الأسبوع، رغم ضخامة أعداد المواقف التي توفرها لهم الجامعة. ولرقع مشكلة قلة أعداد الطاقم التعليمي تقوم الجامعات بفرض مواد إضافية على أكاديمييها، والتي قد تفوق على الأربع والخمس مواد فوق نصابهم القانوني مقابل أجر زهيد. كما تقوم بتوظيف أعداد كبيرة من المدرسين وفق النظام الجزئي (Part-timers). ومع كون هؤلاء كفاءات علمية ويساهمون في سد الفجوة في نقص الكوادر التعليمية فإن أبحاثهم العلمية محدودة إن لم تكن معدومة. علاوة على ذلك فإن ما يدفع لهم مقابل التدريس يعد زهيدا، ولا يشجع الكفاءات الوطنية العالية في التقدم للتدريس.

وفي ختام هذا المقال لا شك عندي أنه قد ينبري طرف ما للتبرير عن كل ما تقدم ذكره كي ينصع صفحته أو صفحة من أوعز إليه بالرد. والحق أني كتبت هذه الوريقات إبراء للذمة، فلعل أحد المسئولين الغيورين يعمل على تصحيح الطريق الذي يبدو لي مظلما، كي لا يأتي من هم من بعدنا ولا يجدوا أثر زرعنا، ويتحسر على ما ضيعه الأولون في حق جامعتهم الوطنية. ولم أعمد إلى الطعن في أحد. والحق أن رئيس الجامعة -د. فؤاد الأنصاري- لديه من الإمكانات التي تمكّنه من العمل على القيام بإجراءات تصحيحية إن لم يركن إلى المهادنة، ولم يعوقه ديوان الخدمة المدنية ووزارة المالية في ذلك، ولا ينبئك مثل خبير، فقد زاملته في القسم، عندما أسند إلى رئاسة قسم الهندسة المدنية والعمارة، وكذلك في المكتب الهندسي بالجامعة. والله من وراء القصد.

*عضو سابق بمجلس أبحاث الصحة لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية

شاهد أيضاً

الكاتب الأستاذ محمود حسن جناحي يكتب لنشرة المنبر: حرب غزة بين خصوصية الحدث وعمومية القضية

المحرق – الأثنين 26 فبراير 2024 يمثل “طوفان الأقصى” حدثا غير مسبوق في تاريخ القضية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *