الأستاذ الدكتور هاشم المدني يكتب .. هل يدرك النواب ضعف المقدرات المادية لجامعاتنا؟*

المحرق _ الأحد 22 مايو 2022

يطوف بالمنتديات والمجالس هذه الأيام غالب مرشحي مجلس النواب من أجل طرح برامجهم الانتخابية للدورة المقبلة للمجلس. كما يقوم كثير منهم بطرح طرف من ذلك في الجرائد المحلية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال متابعتي المتواضعة لعدد من برامج المرشحين، لم أجد أية إشارة تتعلق بالتعليم العالي في برامج المرشحين، مع أن لأبناء غالب العوائل في البحرين نصيب في الدراسة الجامعية في هذا الوطن الغالي.

ويتعلق عدد كبير من الأمور بالتعليم الجامعي، وعلى مرشحي مجلس النواب إدراكها لدفع مسيرة التعليم الجامعي نحو التميّز. ولا أظني أحيد عن الصواب إن قلت أن النواب في الدورة السابقة لم يحضوا بشرف مناقشة المسائل التي من شأنها تطوير التعليم العالي والبحث العلمي. ولعل من الأمور المقلقة والمتعلقة بالتعليم الجامعي هي ضعف تنمية مقدراتها المادية، وعدم وضوح رؤية المسؤولين تجاه تطوير التنمية المادية للجامعة. ولا أشك أن الدور آتٍ على نزع الدعم المَلَكِي للدراسة في جامعة البحرين، حيث لا يتعدى ما يدفعه الطلبة سُدس تكلفتهم الدراسية.

يتزايد أعداد الطلبة في جامعتنا الوطنية باستمرار، وبالتالي تتضخم معها احتياجاتها المادية والتعليمية باضطراد. وفي حين لم يكن يتجاوز عدد الطلبة المقبولين عام 2012 في جامعة البحرين ٤٥٧٤ طالبا، فاق عددهم هذا العام ٧ آلاف طالب. وبالمثل لم يكن يتعدى العدد الكلي للطلبة المسجلين في الجامعة قبل نحو عقد من الزمن أحد عشر ألف طالبا –يزيدون قليلا أو ينقصون – فاق عددهم هذا العام ٣٥ ألف طالب. ورغم كون هذا العدد كبيرا على بلد صغير نسبيا مثل البحرين، فإنه يمثل إرثا علميا مهما لمستقبل البلد، إن أحسن استثماره. ولا تكمن الإشكالية في عدد طلبة الجامعة، ولكن في عدم مرافقة مثل تلك الزيادات أية إضافات في أعداد الطواقم التعليمية والفنية، وفي المعامل، وفي الصفوف، وفي القاعات، وفي تحديث الأجهزة العلمية وديمومة معايرتها –أي جعل الأجهزة دقيقة القياس -وفي غيرها من البرامج والأدوات المساندة للعملية الأكاديمية والتعليمية. ومن ثمّ انعكاسها سلبا على الطلبة بدنيا ونفسيا وعلميا، وعلى الأكاديميين إرهاقا وكفاءة وبعدا عن البحث العلمي، ومن ثَمّ تخلّفهم عن التوجهات العلمية الحديثة.

ولم ترافق مثل تلك الزيادات في أعداد الطلبة أية زيادة في الميزانية المخصصة للجامعة، بل إنها قلّصت. وقد كانت ميزانية الجامعة قبل نحو أحد عشر عاما 43 مليون دينار -دون احتساب ميزانية كليتي المعلمين والعلوم الصحية – وغدت الآن دون ذلك، رغم تضاعف أعداد الطلبة خمس مرات، وتضخم أسعار كل شيء في البلد. والأمر أسوأ بالنسبة للطاقم التعليمي من الأكاديميين، حيث قل عددهم مع تقاعد عدد كبير من البحرينيين وارتحال آخرين إلى جامعات تستوعب أبحاثهم وقدراتهم، واستقالة عدد آخر من الأجانب أو عدم التجديد لهم، دون إحلال البدائل المكافئة مكانهم. وفي المقابل زاد عدد الإداريين بشكل ملحوظ. والحق أنه لا يمكن إدارة الجامعات بمثل هذه الميزانيات الضئيلة ولو أراد ذوي الشأن إظهار إمكانيتهم إدارة الجامعة بمثل تلك الميزانيات -والتي بالكاد تغطي رواتب موظفيها، ومصاريفها التشغيلية -وفق ما أبلغني به أحد نواب البرلمان للدورة قبل السابقة. والحق أن تقدير الضرر الحاصل لا يتم إلاّ على المدى البعيد، لاسيما على مستوى التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع.

وتتكدس أعداد كبيرة من الطلبة في الصفوف، بل وفي الممرات بسبب تجاوز عدد النفوس البشرية سعة المباني، وقلة عدد الأكاديميين. ولا أظن أن من له علما بالمعايير التربوية والتعليمية يمكنه القول: إن مثل تلك الصفوف تساهم في تطوير العملية التعليمية.

ومن أجل المقارنة يمكننا ذكر ميزانيات بعض الجامعات العربية القريبة منا، وذلك وفق إحصاءات عام ٢٠١٤/٢٠١٥؛ كي يعيي القارئ حجم المشكلة، ولعلها الآن دون ذلك قليلا بسبب الإجراءات التقشفية في منطقتنا. فقد فاقت ميزانية جامعة الملك سعود في الرياض 942 مليون دينار، وجامعة الملك عبد العزيز 447 مليون دينار، وجامعة الملك خالد 300 مليون دينار، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 285 مليون دينار، وأم القرى 218 مليون دينار، والدمام (الإمام عبد الرحمن بن فيصل حاليا) 236 مليون دينار، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن 124 مليون دينار. وبينما يفوق عدد طلبة جامعة الملك سعود –التي تعد الثانية عربيا ودون ٢٨٨ عالميا في الترتيب العالمي للجامعات –ولا يتقدم عليها حاليا سوى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن -وذلك وفق تصنيفات كيو إس (QS)، وشنغهاي، وبايومتركس، ويو آر إي بي (URAP) -ضعف عدد طلبة جامعة البحرين، لا يصل عدد طلبة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن رُبع عدد طلبة جامعة البحرين، فقد بلغ عدد طلبة جامعة الملك  فهد في العام المنصرم ٨٨٠٠ طالب. كما أن عدد موظفيها دون عدد موظفي جامعة البحرين، وعلى القارئ مقارنة ميزانيتيهما بميزانية جامعتنا الوطنية. أما ترتيب جامعة البحرين لعام ٢٠١٤ وفق صفحة الجامعة ٣٦٢٨ عالميا، ولعلها تدهورت أكثر من ذلك حاليا. والحق أن ميزانية الجامعة الأردنية أعلى من ميزانية جامعة البحرين؛ فإن ميزانيتها تبلغ نحو 50 مليون دينار بحريني.

 وعودا إلى جامعات المملكة العربية السعودية، تمتلك جامعة الملك سعود حالياً محفظة استثمارية عقارية وقفية تتجاوز المليار دولار وتسعى لأن تصل إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2040، وتهدف الجامعة في تأسيس برنامج أوقاف جامعة الملك سعود إلى تعزيز الموارد المالية الذاتية للجامعة (منها برج منارة الملك عبد الله للمعرفة 52 طابقا، وبرج مصرف الراجحي الطبي، وبرج الأجنحة الفندقية، وبرج صالح كامل، وبرج العمودي، وغير ذلك). وعلى النقيض من ذلك فإن الوضع في جامعتنا لا يسر من حيث الاستثمار، بل إن وزارة المالية استحوذت خلال فترة سابقة مبلغ كبير نسبيا يفوق الأربعة عشر مليون دينار من المبالغ التي كانت توهب للجامعة من قبل محبي الجامعة بدعوى أنها تخالف الأنظمة، مع أن مثل تلك المبالغ كانت موجودة لسنوات كثيرة في حساب الجامعة، كما أنها جمعت على مدى أعوام عدة. علاوة على ذلك فقد وهبت عائلة خنجي قطعة أرض قريبة من سوق المنامة للجامعة على أن تستثمرها الجامعة لزيادة مدخولاتها، والأرض لا تزال كما هي منذ أكثر من عشرين سنة، ولعل المستفيد الوحيد منها هم أهل المنطقة لإيقاف سياراتهم. ولو أن الجامعة استثمرتها في محلات تجارية وشقق ولو لموظفيها الأجانب، لكانت إضافة مثمرة إلى ميزانيتها بأكثر من خمسة ملايين دينار صافية بعد خصم المصروفات منها.

كما أن إيرادات الجامعة من عقد المؤتمرات والدورات التخصصية في تناقص جلي عما كانت عليها من قبل. علما أن مثل تلك الفعاليات العلمية تدعم المكانة العلمية للجامعة، وتسهم في بناء شراكة فعلية مع المجتمع.

أما أرض الجامعة في الصخير فهي على علاقة عكسية مع ازدياد عدد الطلبة فيها، فالاستقطاع منها دائم، فقد فاقت تلك الاستقطاعات ثلث الأرض الأصلية المخصصة للجامعة، هذا دون احتساب الحرم الجامعي في مدينة عيسى الذي آل إلى “بوليتكنك البحرين” دون تعويض يذكر لجامعة البحرين حتى الآن. وكأن الجميع مستفيد على حساب الجامعة الأم في البحرين. كل ذلك يتنافى مع المقولة إن الجامعات يخطط لها لقرون مقبلة؛ كي تحظى بالاستقرار من حيث بنيتها التحتية.

وكما هو مذكور في صفحة الجامعة في الويكيبيديا –إن كان دقيقا – فإن مساحة الحرم الجامعي تصل حاليا إلى ١٥٦٦٠٧ مترا مربعا –ولعلها تكون المساحة المبنية -بعد أن كان يفوق مساحتها مليون وربع مليون متر مربع بكثير، وذلك لموقعي الجامعة بالصخير، ومدينة عيسى، ودون احتساب مساحة كلية التمريض التابعة للجامعة في السلمانية. وأذكر كل ذلك حفاظا على مقدرات الجامعة.

وحيث اننا بصدد الكلام عن ضعف الميزانية وأن الرواتب تأكل غالبها، يمكننا القول إن التضخم في الطاقم الإداري ليس في صالح الهيئة التعليمية. فمن أصل أكثر من ٢٠٨٢ موظفا في الجامعة، لا يتجاوز عدد الأكاديميين -بما فيهم المبتعثون لدراسة الماجستير والدكتوراه -٨٨٠ فردا وفق ما ورد على صفحة الجامعة -أي دون ٤٠٪ من العدد الكلى لموظفي الجامعة. وذلك على عكس التوجهات العالمية في التعليم الجامعي. وترى جني روجرز (Jenny Rogers) -وهي عضو في الاتحاد الأمريكي لأساتذة الجامعات -أن أفضل نسبة بين عدد الأكاديميين والإداريين هي واحد إلى واحد أي يتساوى عدد الأكاديميين مع عدد الإداريين. ولابد من ملاحظة أن الإداريين الذين يقومون بمساعدة الأساتذة في التصحيح وجمع المعلومات مشمولين ضمن عدد الإداريين، وهذا ليس موجودا عندنا. وترى روجرز أن أي اختلاف لهذه المنظومة سواء في عدد الإداريين أو الأكاديميين تكون خسائرها المادية في غير صالح الجامعة. ومن هنا يتبين أن الهوة كبيرة بين الإداريين في جامعة البحرين وأكاديمييها. وهذه ليست دعوة لصرف بعض الإداريين من الجامعة فأنا ضد ذلك، ولكنها دعوة لتصحيح عدد الأكادميين فيها. كما يؤكد بنجامين غينسبرغ (Benjamin Ginsberg) من جامعة أكسفورد –والتي تأتي على رأس قائمة أقوى الجامعات عالميا – أن الجامعات تغدو أفضل بعدد أقل من الإداريين، وذلك في كتابه “تدهور الأكاديميين: صعود الجامعات الإدارية ولماذا يهم (The Fall of Faculty: The Rise of the All-Administrative University and Why it Matters). ولعل النسبة تختلف قليلا بين الجامعات البحثية والجامعات التقليدية التي يغلب عليها الجانب التعليمي. ومن هنا يمكننا ملاحظة فشل جامعاتنا في الحصول على أية براءات اختراع، بالمقارنة مع عدد من الجامعات الخليجية. فعلى سبيل المثال تملك جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أكثر من ٨٠٠ براءة اختراع. ويمثل هذا العدد أكثر من ٦٠٪ من براءات الجامعات العربية، وذلك وفق تصريح رئيس الجامعة السابق الدكتور خالد السلطان. كما حصلت جامعة الملك سعود على ١٧٨ براءة اختراع في عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤. ومع ضعف ميزانية جامعتنا الوطنية يبقى السؤال المحيّر هو لِمَ لَمْ تحصد أي من جامعاتنا أية براءة اختراع خلال العشر سنوات المنصرمة؟ ولِمَ لَمْ تقم الجامعة في إيجاد وقفيات تدعم ميزانيتها؟ ولم تتطور عائدات الجامعة من الدورات المهنية والتخصصية؟ وأخيرا لم تعجّل الأكاديميون ذوي التميز العلمي إلى التقاعد؟

يعتصر القلب ألما أن يرى المرء مثل هذا الصرح في تدهور مستمر –على وجه العموم -بعد أن كان يضرب بالبحرين المثل في تفوق أبنائها علميا. والله من وراء القصد.

*أستاذ الطرق والنقل

شاهد أيضاً

الكاتب الأستاذ محمود حسن جناحي يكتب لنشرة المنبر: حرب غزة بين خصوصية الحدث وعمومية القضية

المحرق – الأثنين 26 فبراير 2024 يمثل “طوفان الأقصى” حدثا غير مسبوق في تاريخ القضية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *